بحث

الأربعاء، 7 نوفمبر 2012

العثمانيون الجدد



اثناء متابعتى المهتمه للأزمة السورية بصفتها أمتداد لثورات الربيع العربى ولأنها سوف تكتب سطور مهمه فى صفحات تاريخ منطقة الشرق الأوسط الذى يسطر من جديد فى هذه المرحلة ، وهنا اتجهت انظارى شمالا لهضبة الأناضول حيث الحدود السورية التركية بعد مناوشات قصف على أثرها الجيش التركى لمواقع داخل العمق السورى على مدار عده أيام  ردا على مقتل  5 مواطنيين اتراك بعد سقوط قذيفة "مورتر" على قرية حدودية تركية ، وقد تمت عمليات القصف بعد تفويض البرلمان للجيش بالرد وبرغم المعارضة الشعبية التى تمثلت فى مظاهرات مناوئة للحرب فى انقرة واسطنبول وما تبعه من اعتراض تركيا لطائرة روسية كانت تحمل معدات واجهزة رادار متجهه الى سورية .
لا اعلم لماذا تبادر فى ذهنى تلقائيا معركة  "مرج دابق" والتى دارت رحاها فى نفس المنطقة شمال الشام وانتصر فيها العثمانيون على المماليك وبعد مقتل قنصوة الغورى اخر سلاطيين المماليك  فى تلك المعركة اخذت مدن الشام تسقط واحده تلو الاخرى فى يد السلطان سليم الأول الى ان وصل القاهرة واعلن انهاء دولة المماليك وضم مصر والشام للخلافة العثمانية ، ففيما يبدو انى استشعر طموح تركى فى المنطقة يعيد زمن الهيمنة العثمانية على المشرق العربى.
ان الموقف التركى من الأزمة السورية يكاد يكون مثالى بدعمة لطموح الشعب الثورى الطالب للحرية والساعى للتخلص من الاستبداد والدكتاتورية عن طريق موقف سياسى مندد بمجازر النظام السورى ومطالبتة صراحة بالتنحى وايضا احتضان المجلس الوطنى المعارض وكذلك موقف انسانى من خلال استقبال عشرات الألاف من اللاجئين الفارين من جحيم المعارك ثم السماح لقوات المعارضة المسلحة بأستخدام الأراضى التركية فى التدريب وجلب السلاح والمؤن للمقاتلين فى الداخل السورى .
يتثق هذا الموقف مع السياسة التى تتبعها الحكومة التركية تجاه ثورات الشعوب العربية  فنجدها مساندة لكل الدول التى سعت للتحرر ، ولكن الوضع السورى يختلف عن باقى دول الربيع العربى الشمال افريقية – مصر وليبيا وتونس – والتى هى بعيده جغرافيا عن الحدود التركية وقديما انسلخت سريعا من الحكم التركى المباشر بعكس دول "الهلال الخصيب"- الشام والعراق- كانت تخضع للحكم التركى المباشر وظلت كذلك حتى انهيار الدولة العثمانية وعقد اتفاقية "سايكس بيكو" لتقسيمها لدويلات من نصيب الدول الأستعمارية المنتصرة فى الحرب – بريطانيا وفرنسا- ، ولهذا فتلك المنطقة تعد الحظيرة الخلفية لتركيا ومنطقة نفوذ تاريخية لتلك المعطيات بالاضافة للحدود المشتركة ومشاكلها – لواء الاسكندرونه الذى استقطع من سوريا بعد التقسيم – وكذلك الطبيعة الديموغرافية للمنطقة ووجود عدد من الاقليات التى تنتمى للعرق التركى – التركمان – واقليات علوية داخل تركيا ايضا وكذلك الاشتراك فى القضية الكردية والتى تنقسم بين تلك الدول ، فكل تلك العوامل تجعل منها منطقة امن قومى تركى بأمتياز ، والدور التركى فى هذه المنطقة عامة -الهلال الخصيب-  يعيد للاذهان صراع تاريخى عثمانى صفوى على النفوذ فيها ويأججه طبعا صراع مذهبى سنى شيعى مما انتج صراع تركى ايرانى حديث للهيمنه عليها .
وكما نعلم فان سياسة الدول تنبثق من حكامها ، ومن يحكم تركيا الان حزب العدالة والتنمية – الاخوان المسلمون – وكما يطلق عليهم العثمانيون الجدد لهم سياسة معينة تجاه الوطن العربى عامة ودول النفوذ القديم خاصة ، فهم يسعون لأعادة أرث الامبراطورية العثمانية التاريخى عن طريق هيمنة من خلال لعب دور محورى واساسى فى قضايا المنطقة ابتداء من العراق قبل الغزوالامريكى حيث رفضت فتح اراضيها للجيش الامريكى الغازى واثناء الاحتلال وقفت بالمرصاد لاى محاولة كردية للانفصال باقليم كردستان وبعد الجلاء كذلك مواقفها موازنة تجاه التنوع السياسى العراقى ، ومرورا بفلسطين التى اصبحت مواقف تركيا منها بعد تولى اردوغان لرئاسة الحكومة مختلفة تماما عن مواقف حكومة بولنت اجاويد التى سبقته من حيث صدام مع الصديق القديم الأسرائيلى بداء منذ المشادة مع شيمعون بيريز فى منتدى دافوس وكذلك موقفهم الحاسم من الهجوم الأسرائيلى على أسطول الحرية والذى راح ضحيتة مواطنين أتراك فكل هذا ادى الى مرور العلاقات بمراحل توتر وبالطبع فهذا يكسبها نقاط لدى العرب ، ثم مواقفها تجاه دول الربيع العربى ودعمها لثورات الشعوب .
سياسة تركيا الحالية لاتهدف للهيمنة السياسية او العسكرية فحسب ولكن لها ابعاد ثقافية واجتماعية  فقد غزت الدراما التركية البيوت العربية من  المنامة الى الرباط واضحت الأعلى مشاهدا على الشاشات العربية بل وافتتحت قنوات خصيصا للدراما التركية فقط والادهى من ذلك انه انتشرت ايضا مسلسلات تاريخية وطبعا ستحاول تجميل صورة الحكم التركى للبلاد العربى والذى هو فى الحقيقة لم يكن الا احتلال غاشم بل وافظع من الاستعمار الأوروبى وعلى ما اعتقد يعد هذا من انواع الغزو الثقافى وخصوصا اذا علمنا ان الحكومة التركية نفسها تساعد فى هذا فوزارة السياحة التركية تدعم هذه الاعمال الدرامية بملاين الدولارات نظرا لتسويقها الغير مباشر للمعالم الاثرية التركية  وقد تلازم ذلك طبعا مع تنظيم برامج سياحية جيده وباسعار فى متناول المواطن العربى مما ادى لزياده نسبة السائحين العرب لتركيا ، واجتماعيا فى الأساس هناك تأثير عرقى تركى منذ عصور الخلافة فهناك العديد من المواطنين العرب لهم اصول تركية وخصوصا فى مصر والشام ، ومع صعود الأخوان المسلمين للسلطة فى دول الربيع العربى فطبعا زادت روابط الصلة بينهم وبين نظرائهم الأتراك – العدالة والتنمية – مما نتج عنه سياسات تدعم الثقافة التركية فى هذه البلدان مثل وضع اللغة التركية كلغة اجنبية ثانية فى المدارس التونسية .
ولكل هذه الأسباب لابد ان نقيم الموقف التركى من الأزمة بكل موضوعية وبعيدا عن السذاجة التى قد تجعلنا نعتقد انه نابع من شعور انساني وساعى لتحقيق العدالة وان تركيا لا ناقة لها ولاجمل فى المنطقة ، فالعثمانيون الجدد لهم اغراض ومأرب كثيرة من الوطن العربى  وخصوصا بعد لفظ الأتحاد الأوروبى لتركيا .